كانَ وكُنّا ... وللحكايةِ لهفة
وَقفَ في الشّرفةِ المُطلِّةِ على حَديقةِ المنزِلِ ذاتِ الأغصَان المُلتفةِ بأوراقها المخضوضرةِ
المتّصلةِ بساقها الثابتة، مَا هذا؟ أهوَ عِناقُ الأحبّةِ في جسدٍ واحدِ؟ شعرَ بدفء الإحساسٍ؛ إنّها هيَ، اشتاقَ لها، لمْ يكدْ يودّعها إلا قبلَ هنيهاتٍ معدودةٍ، كانا معًا، وهما دومًا معًا وإنْ غابَت بجسدها عن ناظريه، يكلّمها ويتفرّسُ ملامح وجهها البريء المشرق ألقا، بملامحه النّضرةِ الشّابةِ، إنّها زهرته النّرجسيّة برقتها ونقائها.
استحضرَ طيفها الفتـّانَ، وقدّها الميّاسَ، ومُحياها الملائكيَّ، نظرَ يمنة ويسرة؛ لمْ يجدْها، أيْنها؟ أريدُ مُجالستها الآنَ، أتوقُ لأنْ أحتسيَ معها فنجانا من القهوّة المعتـّقةِ، نتجاذب أطرافَ الحَديثِ، فإن اختلفتُ معها، تحاول إقناعي بطريقتها الأنثويةِ التي لا أملكُ أمامها إلا السّمع والطّاعة ... لمعتْ عيناهُ وبرقتا ...
ـ ما بالكَ؟
ـ انتظرتكِ، اقتربي اقتربي لأضمكِ بين الحنايا
ـ لقد أشعلتني شوقا فأتيتُ
ـ ليسَ إلا بعضًا مِمّا أججِّتهِ بي بركانًا لا يُخمَدُ إلا وأنتِ بينَ يدي ... تعالي أطفئي نارَ حُرقتي
ـ أنا لكَ
ـ أشربيني حبًا وأملا وفرحًا...
ـ أنا منكَ وإليكَ
ـ لا أريدُ طعامًا وشرابًا، أريدكِ أنتِ
ـ قرّة العينِ أنتَ ... نبض القلبِ أنتَ ...
ـ آه ... لقد تأخـّرَ الوقت، إنـّها الحَادية عشرة مساءً، تعالي توسدّي ذراعيّ، سأغطيكِ بأهدابي
ـ خذني إلى عينيكَ أغفو ساعةً ... أنسى على أشواقها أحزاني
ـ هاتي يديكِ الرّقيقتينِ أقبّلهما حبًا قد طوّقَ وجداني؛ لأرشفَ عسلا ناطفا يُحسّنُ طعمَ مذاقي
ـ عشقٌ قَصيٌّ يا أميري ضمَّني ... في لهفتكَ قصائدُ وأماني
ـ ماذا تريدين أنْ تسألي عيني؟
ـ أتروي لي قصّة "الهتون الأزرق" لأنامَ عليها؛ أم تغني لحنكَ العذبَ فلا أأرق؟
ـ كانتْ وكنتُ وللحكايةِ لهفةٌ ... ورديّةٌ أبطالها مَلَكَانِ ... أيهما تريدين كانتْ هيَ ... أم كانَ هُو ....؟
ـ لا أريدُ ما مضى من كونهما ... فقد فاتَ وانقضى ... أريدُ أنْ نعيشَ اليومَ ... أريدكَ أنتَ
ـ مولاتي الصّغيرة كلّي لكِ ...
أينكِ؟ أينكِ؟ لا بأسَ أتخيّلكِ الآنَ! لكنّني أرجو أنْ تكوني لي بمشيئةِ الله، تأتينني ولا تغيبينَ عن ناظريّ برونقكِ العجيبِ وألق حضورِكِ المُدهش ...
د. عريب عيد