مقالة منقولة عن صحيفة (( عالم اليوم ))
رفيقة الزعفران ونخوة القبيلة.. الزوجة المصانة والأم المطاعة
المجتمع العربي بادية وحاضرة أساسه الأسرة، والرأي الأول فيها للأب وطاعته واجبة على كل أفراد الأسرة، وتتمتع الأسرة البدوية في جزيرة العرب بالاحترام والمحبة والطاعة فيما بينها، فالأصغر يحترم الأكبر ويجله، والجميع يجتمعون على طاعة الأب أو الجد الكبير «العود» ويمتثلون لأوامره وتويجيهاته ونصائحه، ومن يشذ عن هذه القاعدة يلقى المهانة من جميع أبناء العشيرة، والزوجة البدوية هي راعية الأسرة والمسؤولة عن إدارة البيت، فهي أم البنين والبنات واحترامها واجب مقدس من قبل أبنائها وبناتها وزوجها.
والابن الذي يثبت عليه بأنه شتم أو ضرب أباه أو أمه لا يصب له فنجال «فنجان» القهوة في الديوان بل يسكب فنجاله على التراب إهانة له وتحقيرا فهو لا يستحق شرب فنجان القهوة ولا يستاهل الجلوس مع رجال عشيرته في الدواوين والمضائف، ومثل هذا الشخص الرديء لا تقبل منه الشهادة في أي قضية فهو في أعراف البادية «مقموع الشهادة»، فإذا جاء إلى قاضي «عارفة» البادية ليؤدي الشهادة في موضوع ما فإن القاضي يقمعه «يمنعه من الكلام» لأن من يعتدي على والديه لا تقبل منه شهادة إطلاقا، حتى يغسل عاره بعمل مشرف يبيض وجهه أمام أسرته وعشيرته، ويجب أن يكون هذا العمل الذي قام به واضحا للعيان يتحدث به القاصي والداني، عندئذ ممكن أن تغفر له القبيلة ذنبه الذي ارتكبه تجاه والديه.
الأم -باللغة العربية الفصحى- هي الوالدة، وأصل كل شيء وعماده، نقول: أم البنين وأم البنات وأم البيت وأم الخير.
أعراف البادية لا تبيح لبنت العم الزواج من غير ابن عمها
البدوي يتزوج عادة من ابنة عمه، وهذا حق من حقوقه الثابتة في عرف البدو لا يجوز لأحد ان ينازعه في هذا الحق، ويقولون بخصوص ذلك: «هذه البنت محيرة لابن عمها»، وبعضهم يقول: «هذه البنت محجرة لابن عمها» ومعنى ذلك ان هذه البنت موقوفة لابن عمها ولا يمكن لأي إنسان أي يتقدم لخطبتها طالما ان ابن عمها محيرها -أي مبقيها لنفسه-.
وإذا تجرأ والد الفتاة وزوجها من رجل آخر بدون رضاء ابن عمها وأخذ موافقته فإن هذا العمل سيجلب عليه البلاء والمصائب لان ابن أخيه يعتبر زواج ابنة عمه من غيره إهانة وعار لا يغسله إلا الدم، فيعمد حينئذ إلى سلاحة ليتربص بعمه ويفتك به، اللهم إذا كان عمه حكيماً وحليما فيعالج المشكلة من بدايتها حيث يكلف بعض الرجال البارزين من أبناء العشيرة لحل مشكلته مع ابن أخيه فيأتون إلى الشاب باللين والسياسة ويقولون له: «إن عمك أخطأ في حقك وتورط في هذا العمل وهو الأن تحت أمرك ويرجو عفوك وشهامتك فيعفو الشاب ويتنازل عن حقه المهدور -عفو كريم مقتدر- وهذا العفو من شيم البادية خاصة وان عمه قد سلم نفسه إليه بدون قيد أو شرط.
وإذا تنازل ابن العم عن «تحيير أو تحجير» بنت عمه - أي رفع يده عن الزواج منها- عندئذ يتقدم إليها بطلب الزواج وبالتحيير من يليه بصلة القرابة وهكذا، وكل هؤلاء قد يتخلص منهم والد الفتاة بطرق مماثلة وذلك بطلب بناتهم أو أخواتهم إلى أولاده، وإذا رفضوا لا يكون لهم حق في طلب الزواج من بنته.
وهذا الشاعر ابو الخطاب عمر بن عبدالله بن أبي ربيعة المخزومي القرشي «احترق ومات سنة 93هـ» يحن إلى بنت عمه ويشكو البعد قائلاً:
إحدى بنيات عمي دون منزلها
أرض بقيعانها القيصوم والشِّيح
النسب الصريح الواضح والأخلاق العربية الراقية
أهم شروط الزواج
لقد اهتم العرب غاية الاهتمام بأنسابهم على مر العصور وتقادم السنين، وهذه حقيقة واضحة لا ينكرها إلا مدلس أو شعوبي متعمد يتجاهل الحقيقة لغرض في نفسه، وكل ما كتب عن بعض الزواجات والعلاقات المشينة المنسوبة للعرب، فإن الثابت المؤكد انه لا يمارسها إلا اراذل العرب وهؤلاء الاراذل من الشواذ المنبوذين، وقديما قالت العرب:
«الشاذ لا يقاس عليه»، أمام عموم العرب في جزيرة العرب فهم من الأشراف النجباء الأفاضل، ولقد صدقت العربية الشريفة هند بنت عتبة بن ربيعة الأموي القرشي عندما قالت: «العربية الحرة لا تزني».
ولنستمع إلى هذه العربية الأموية الشريفة أم معادية بن أبي سفيان «هند بنت عتبة بن ربيعة» وهي تحض وتحرض قومها قريش على الثبات والمصاولة في المعركة متمثلة بقول الزرقاء الإيادية:
نحن بنات طارق
لا ننثني لوامق
نمشي على النمارق
المسك في المفارق
والدر في المخانق
إن تقبلوا نعانق
أو تدبروا نفارق