هلَّت أيام الصيف وهلّ معها حرارة
الجو وفراغ الوقت .. والجميع قد ملّ
من العمل والإمتحانات، فيسعى إلى الترويح عن نفسه
والإستمتاع
بالإجازة الصيفية بأي وسيلة ترفية ممكنة .. ولا
يهتم إن كانت هذه
الوسيلة حلالاً أم حرامًا ..
فلا يدري أن السعادة كلها
في طاعة الله عز وجل ..
فالسبيل إلى السعادة الحقيقية هو التوبة إلى الله
عز وجل .. قال
تعالى {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ
تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ
مُسَمًّى ..} [هود: 3] .. ولكن الشيطان هو الذي
يُزيّن لك المعصية
ويُشعِّرك إنك لا تستطيع الحياة بدونها.
وديننا دين سماحة ولا يدعوك أبدًا إلى التضييق على
نفسك أو عدم
الإستمتاع .. قال رسول الله "لتعلم يهود أن في
ديننا فسحة إني
أرسلت بحنيفية سمحة" [إسناده جيد، السلسلة الصحيحة
(4/443)]
وقد كان النبي يمزح، ولا يقول إلا حقاً .. وفي
غزواته كان يجعل
الصحابة يتقدمون كي يُسابق السيدة عائشة رضي الله
تعالى عنها ..
عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع رسول الله في
سفر
قالت: فسابقته فسبقته على رجلي فلما حملت اللحم
سابقته
فسبقني، قال "هذه بتلك السبقة" [رواه أبو داود
وصححه الألباني]
كما إن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يمزحون ..
كان أصحاب النبي
يتبادحون بالبطيخ فإذا كانت الحقائق كانوا هم
الرجال [صحيح الأدب
المفرد (266)] .. وسئل النخعي: هل كان أصحاب النبي
يضحكون؟
قال: "نعم، والإيمان في قلوبهم كالجبال الرواسي".
أرأيت كيف كانت حياتهم
جميلة وكيف كانوا يعيشون الإسلام
على حقيقته؟!
إذًا كيف السبيل إلى طرد
هذا الملل ونيل رضا الله عز وجل؟
اعلم أن ما عند الله لا يُنال إلا بطاعته ..
قال رسول الله "ولا
يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله
فإن الله تعالى لا
ينال ما عنده إلا بطاعته" [صحيح الجامع (2085)] ..
والسعادة
والطمأنينة التي تبحث عنها رزقٌ من عند الله جلّ
وعلا، فمن
المستحيل أن تحصل عليها بمعصيته ..
وعلاج الملل الذي تشعر به
يكون بأن تجدد إيمانك .. قال رسول
الله "إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق
الثوب فاسألوا الله
تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم" [صحيح الجامع
(1590)] ..
فالإيمان تعتريه الشوائب ويبلى من المعاصي والذنوب،
وعلى كل
واحد منا تجديده بأن ينوّع بين ما يقوم به من
الطاعات ويُغيِّر من نمط
حياته تحت لواء شرع الله تعالى.
دعّ المعاصي واستمتع
بالحياة .. لأن الله سبحانه وتعالى شكور،
فعندما تترك المعاصي وتسعى لمرضاته سيقذف السعادة
في قلبك ..
قال رسول الله "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا
وبالإسلام دينا
وبمحمد رسولا" [صحيح مسلم]
ولكن حتى لو تركت المعاصي
فإنها تُحيط بنا في كل مكان ..
فكيف نواجه فتن الصيف؟؟!
تسلّح بالتوكل على الله .. واجه فتن الصيف باليقين
أن الله عز وجل هو
النصير، قال تعالى {أَلَيْسَ
اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ..} [الزمر: 36] .. وهو القائل
سبحانه {إِنَّ اللَّهَ
يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ
خَوَّانٍ كَفُورٍ} [الحج: 38]
ولكي يدافع الله عنك ويحفظك من الفتنة .. لابد أن
تلتزم بهذه الشروط ..
1) لا تخنه في السر .. ابتعد عن ذنوب
الخلوات، ولا تُصرِّف نعمة الله
في معصيته فهذا كفر بالنعمة ..
{.. إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}
[الحج: 38]
2
ذِّل وانكسر لله .. ادع الله أن يُنجيك من
الفتن، واشك إليه
بصدوإخلاص من ضعفك وقلة حيلتك أمام الفتن .. وإذا
صدقت الله
سيصدقك ويُنجيك من الفتن.
3) تبّ بطريقة صحيحة
.. جدد توبتك مما تعلم وما لا تعلم من
الذنوب، يطهر بذلك قلبك فتنال المتعة والسعادة ..
واعلم أن التوبة
ليست مجرد الإقلاع عن بعض المعاصي، فلا يمر يوم على
أحدنا دون
أن يقع في ذنب مُعين .. ويكفي من هذه الذنوب عدم
أداءنا لواجبات
كثيرة لله جلّ وعلا علينا، كعدم شكر نعمته أو
التوكل عليه وعدم
حياءنا منه سبحانه وتعالى .. لذا يجب أن تُجدد
توبتك بإستمرار،
وحينها سيدرأ الله عز وجل عنك الفتن ويُمتعك.
4) أكثر من الاستغفار ..
فمداومتك على الاستغفار تحفظك من
الفتن، قال تعالى {وَمَا كَانَ اللَّهُ
لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ
مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال:
33]
5) واظب على عمل الخير ..كي
يكون سببًا في حفظك من النقم
والابتلاءات الشديدة وموت الفجأة، قال رسول الله
"صنائع المعروف
تقي مصارع السوء والآفات والهلكات .."[صحيح الجامع
(3795)]
6) أكثر من الصدقة ..
لقول رسول الله ".. وصدقة السر تطفئ
غضب الرب" [صحيح الجامع (3766)] .. واحرص على أن
تتصدق
بشكل يومي بما تيسر، حتى تفوز بدعاء الملائكة
فيكرمك الله بكرمه
ويرحمك برحمته .. قال "ما من يوم يصبح العباد فيه
إلا ملكان
ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول
الآخر اللهم أعط
ممسكا تلفا" [متفق عليه]
نسأل الله
تعالى أن يُجنبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن،،