[size=16][size=21][b]كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
الغرض من الخطبة:
تحذير وبيان بين يدي الهجمة العلمانية لمحاولة طمس الهوية الإسلامية للأمة، وإحلال الهوية الغربية مكانها.
المقدمة:
- المقصود بالهوية الإسلامية: كل ما يميز المسلمين عن غيرهم من الأمم الأخرى، وقوام هويتهم هو الإسلام وعقيدته وشريعته وآدابه ولغته، وتاريخه وحضارته(1).
- جاء الإسلام دينًا كاملاً: قال الله -تعالى-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) (المائدة:3).
- وأمر الله أهل الإسلام ألا يحيدوا عنه وإلا ضلوا: قال -تعالى-: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة:6).
- وأمرهم أن يتميزوا عن الأمم الأخرى بمنهجهم وهويتهم الوسطية: قال الله -تعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة:143)، وقال: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (آل عمران:110).
محافظة النبي -صلى الله عليه وسلم- على الهوية الإسلامية:
- رفضه العروض القرشية لجعل قضية الدين خليط بين الإسلام والوثنية: (قُلْ
يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ . لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ . وَلا
أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ .
وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (الكافرون).
- رفضه فصل الدين عن الحياة(2): "العروض القرشية بأن يتعبد ويصوم في بيته، ولا يتعرض لحياتهم بتعاليم الإسلام".
- هجرته لإقامة المجتمع والشخصية ذات الهوية المتميزة: قال الله -تعالى-: (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ) (العنكبوت:56).
- بناء الشخصية المسلمة المتبرئة من الشرك وأهله وأحوالهم، والتحذير من مشابهتهم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)، وقال: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، قال الطيبي -رحمه الله-: "هذا عام في الخَلق والخُلُق والشعار".
- اشتداده -صلى الله عليه وسلم- في مخالفة الكفار والمشركين: أمعن -صلى الله عليه وسلم- في إظهار مخالفتهم في كل مجال براءة منهم، وإبرازًا للهوية الإسلامية.
وهذه أمثلة:
- في العبادات: عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: "أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَشَارَ النَّاسَ لِمَا
يُهِمُّهُمْ إِلَى الصَّلاةِ، فَذَكَرُوا الْبُوقَ فَكَرِهَهُ مِنْ
أَجْلِ الْيَهُودِ، ثُمَّ ذَكَرُوا النَّاقُوسَ فَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ
النَّصَارَى" (رواه ابن ماجه، وصححه الحافظ ابن حجر). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (خَالِفُوا الْيَهُودَ فَإِنَّهُمْ لا يُصَلُّونَ فِي نِعَالِهِمْ وَلا خِفَافِهِمْ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
- في السلوك والمظاهر الاجتماعية: عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا
تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ وَلا بِالنَّصَارَى، فَإِنَّ تَسْلِيمَ
اليَهُودِ الإِشَارَةُ بِالأَصَابِعِ، وَتَسْلِيمَ النَّصَارَى
الإِشَارَةُ بِالأَكُفِّ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني). وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يؤاكل ويشارب ويباشر زوجته وهى حائض، خلافًا لليهود.
- في الهيئة والصورة: قال -صلى الله عليه وسلم-: (غَيِّرُوا الشَّيْبَ وَلا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى) (رواه أحمد وابن حبان، وصححه الألباني)، وقال: (خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ أَحْفُوا الشَّوَارِبَ، وَأَوْفُوا اللِّحَى) (متفق عليه)، وقال: (البَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمُ البَيَاضَ) (رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وصححه الألباني).
محافظة السلف على الهوية الإسلامية والبراءة من مظاهر التشبه بغير المسلمين:
- في الزي واللباس:
عن أبي عثمان قال: "كَتَبَ إِلَيْنَا عُمَرُ وَنَحْنُ بِأَذْرَبِيجَانَ:
يَا عُتْبَةُ بْنَ فَرْقَدٍ... َأَشْبِعِ الْمُسْلِمِينَ فِي رِحَالِهِمْ
مِمَّا تَشْبَعُ مِنْهُ فِي رَحْلِكَ، وَإِيَّاكُمْ وَالتَّنَعُّمَ،
وَزِيَّ أَهْلِ الشِّرْكِ" (رواه مسلم).
- في قص شعورهم: دخل ناس على أنس بن مالك ومعهم غلام له قرنان أو قصتان، فمسح برأسه وبرَّك عليه، وقال: "احلقوا هذين أو قصوهما، فإن هذا زي اليهود".
- في المشاركة في حفلاتهم وأعيادهم:
قال عمر -رضي الله عنه-: "لا تَدْخُلُوا عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي
كَنَائِسِهِمْ يَوْمَ عِيدِهِمْ فَإِنَّ السَّخْطَةَ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ" (رواه البيهقي بإسناد صحيح).
- في لغتهم وكلامهم، والمحافظة على لغة القرآن: قال عمر -رضي الله عنه-: "لا تَعَلَّمُوا رَطَانَةَ الأَعَاجِمِ" (رواه البيهقي بإسناد صحيح)(3).
حكمة التمسك بالهوية الإسلامية:
أولاً: لأن التشبه بغير المسلمين قد يفضي إلى مصيرهم: قال الله -تعالى-: (وَلا
تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا
لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) (هود:113)(4)،
وفي حديث أبي واقد الليثي -رضي الله عنه- قال: خَرَجَنَا مَعَ رَسُولِ
اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِبَلَ حُنَيْنٍ فَمَرَرْنَا
بِسِدْرَةٍ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، اجْعَلْ لَنَا هَذِهِ ذَاتَ
أَنْوَاطٍ كَمَا لِلْكُفَّارِ ذَاتُ أَنْوَاطٍ، وَكَانَ الْكُفَّارُ
يَنُوطُونَ سِلاحَهُمْ بِسِدْرَةٍ وَيَعْكُفُونَ حَوْلَهَا، فَقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللهُ أَكْبَرُ، هَذَا كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: (اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةً) (الأعراف:138)، إِنَّكُمْ تَرْكَبُونَ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).
ثانيًا: التشبه بهم ترك لآثار المهتدين "الأنبياء": قال الله -تعالى-: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام:90).
ثالثًا: التشبه الظاهري قد يفضي إلى التوافق الباطني "القلبي".
رابعًا: المحافظة على الهوية الإسلامية والشخصية المتميزة.
مثال:
لو اتبع كل جيش من الصحابة عادات أهل البلاد التي فتحوها وأزياءهم لذابت
الشخصية المسلمة، لكن كان المسلمون على قلتهم يجذبون الأمم إلى اتباعهم
حتى انتشر الإسلام ولغته سريعًا.
من أبرز وسائل العلمانية لطمس الهوية الإسلامية:
1- تربية قيادات علمانية لقيادة الأمة "ساسة - قضاة - أساتذة جامعات... ".
2- فرض النظم والقوانين الغربية والحيلولة دون الحكم بالشريعة الإسلامية.
3- تغريب مناهج التعليم "مناهج مخالفة - مدارس غربية - تقليص دور الأزهر".
4- تغريب وسائل الإعلام لصبغ حياة المسلمين من خلالها بالصبغة الغربية.
5- تحريض المرأة على نبذ الإسلام وتعاليمه -"ولعلنا نجعل لهذا الموضوع حديثًا مفردًا"-.
من واجبنا في مواجهة محاولة طمس الهوية الإسلامية:
1- التمسك بتعاليم الإسلام وشريعته وآدابه: قال الله -تعالى-: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الأنعام:155)، (وَأَنْزَلْنَا
إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ
الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ
اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ... ) (المائدة:48)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَبَدًا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّتِي) (رواه الحاكم، وحسنه الألباني).
2- التعاون على نشر ذلك في المجتمع والعالم: (الَّذِينَ
إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا
الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ
وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) (الحج:41).
3- اجتناب مشابهة غير المسلمين: قال -صلى الله عليه وسلم-: (لَتَتَّبِعُنَّ سُننَ مَنْ قبلكُمْ شبْرًا بشبرٍ وذراعًا بذراعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ). قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: (فَمَنْ؟!) (متفق عليه).
4- مناصرة إقامة المشروع الإسلامي: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (الأعراف:129).
اللهم مكِّن لدينك في الأرض وافتح له قلوب الناس.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يحسن أن يقف
الخطيب مع هذه العبارة بشيء من التفصيل، فإن ذلك يسهل على السامعين
استيعاب الموضوع وربط كل العناصر الآتية بهذه العبارة التي تجمل الموضوع.
(2) المقصود الإشارة إلى رفض اختفاء مظاهر الهوية الإسلامية في المجتمع.
(3) المقصود بذلك اعتياد الخطاب بغير العربية حتى يصير ذلك عادة للبلد وأهله.
(4) قال ابن عاشور: "الركون: الميل والموافقة".[/size][/b][/size]