1
للون الأسود مَعناً يختلف من شَخص لآخر .
رفيقاتُ المُوضة يخيط لهنّ فستاناً من الأناقه ، و أهل الفقيد تُكسى أحزانهم
بأثوابٍ حالكة السواد ، حتى رجال العصابات لهم نصيب من ذلك اللون
لِيكون رمزاً لغموضهم ، إحداهن تنظر للأسود على أنه نذير شُؤم ،
بينما الأسود يُشعر الأخرى بـ الملل و الكآبة ، بينما إحدى الخرافات جعلته
جالبا للحظ السيء .
*
2
تَصدح ضحكاتهم في الأرجاء ، يتناولون الحلوى سَوياً ، يلحق كل منهم
الآخر ، ترأى لهم من بعيد كائنٌ أسود صغير
ليفروا هاربين مذعورين ، و مخيلة كلٌ منهم رسمت صورة
للشيطان .
*
3
أجواء الربيع أوشكت أن تودعهم ، فقرروا الخروج في نزهة .
تجلس بقرب و الدتها تأبى اللعب مع بقية الصغار ، يشغل بالها حديث أمها عن القطط السوداء ، و أنها شيطان كل من ينظر أليها .
*
4
تقف على حافة الطريق تنتظر الحافلة ، مرت من أمامها قطت سوداء ،
قفز القلق لقلبها ، تحركت أقدامها بذعر ، حتى عادت للمنزل
متنازلة عن مشاريعها لليوم ، فتلك القطة أكدت لها أن الحظ السيء
سيرافقها اليوم
القطط السوداء هَاجس الكثير منا ، و هي ما بينا الحقيقة و الأسطورة؛
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فإن ال الأسود شيطان الكلاب
والجن تتصور بصورته كثيراً، وكذلك بصورة القط الأسود، لأن السواد أجمع
للقوى الشيطانية من غيره وفيه قوة الحرارة"
و الله أعلم
و لا تزال الكثير من الأمهات يُحذرن صغارهن من القطط السوداء بأسلوب
يخيفهم و يثير الرعب في قلوبهم، فيزرعن في نفوس أطفالهن مَبدأ عدم أذية
القطة السوداء لأنها من الجن أو أنها شيطان يُؤذيهم ، فيكون هذا التحذير
بمثابة الضوء الأخضر لعقول هؤلاء الأطفال فيخيل إليهم أن أذية بقية
القطط أو الحيوانات لا بأس به مالم تكن سَوداء اللون .
فبحسن نية حذرت الأم طفلها ، و لكنها غَفلت عن مبدأ الإحسان للحيوان
و العطف عليه ، و هذا ما قد حَثّ عليه رسول الله ، فهو لم يخصّ حيواناً
عن آخر بالإحسان و عدم الاعتداء ، و ورد في أحاديثه ذلك :
قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((بينما كَلْبٌ يطيف بركية،
قد كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها، فاستقت له
، فسقته إياه، فغفر لها به)) رواه مسلم في صحيحه.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((بينما رجل يمشي بطريق، اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها، فشرب ثم
خرج، فإذا كَلْبٌ يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكَلْب من
العطش مثل الذي بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقى،
فسقى الكَلْبَ، فشكر الله له، فغفر له، فقالوا يارسول الله: إن لنا في البهائم لأجرا؟
فقال: في كل كبد رطبة أجر))
وفيه عن أنس رضي الله عنه: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
تصبر البهائم))
أي أن تحبس حتى تموت.
وفي صحيح مسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((عذبت امرأة في هرة
سجنتها حتى ماتت؛ فدخلت فيها النار؛ لاهي أطعمتها وسقتها إن هي حبستها،
ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض))
و من هنا نرى أنّ واجب الكبار ترغيب الصغار في العناية بالحيوان
و ترهيبهم من أذيتها بشكل عام ، و اختيار الأسلوب الأمثل في الحوار
، حتى لا تُثير هذه النقطة الرُعب في نفوسهم ، و الأجدر الإشارة إلى
عظيم الأجر و الجزاء و أن ذلك يُعتبر من الإقتداء به
– صلى الله عليه و سلم - .
و اعتقاد أن رؤية القط الأسود جالبة لسوء الحظ، فهذا اعتقاد
باطل يجب أن ينزه المسلم نفسه عنه وأن يتقي الله تعالى
فيعلم أنه لا يأتي بالحسنات إلا هو ولا يدفع السيئات
إلا هو.
و الله أعلم
قلم : فتاة الرمّان
الأحاديث و الفتوى مٌقتبسة من
موقع : إسلام ويب
موقع : سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز