حين كنتُ في بدايتي الثقافية كنتُ أعتقدُ أنني شخصية سوبر أو مختلفة نحو الأفضل عن الشخصية العادية ولكن تجاربي الكثيرة وظروفي وظروف غيري من الناس أثبتت لي مع مرور الزمن أنني لستُ الأفضل , بل أنه من الممكن أن أصادف أناس عاديين وغير مثقفين بمستويات إجتماعية ووظيفية أفضل مني على الأغلب, وقد رأيتُ ذلك .
والشهادة الجامعية والمستويات الأكاديمية لا تعني بالضرورة أنها مستويات ثقافية بل على العكس من كل ذلك فالثقافة ليست معلومة جديدة تضاف إلى البحث العلمي بل الثقافة فن وسلوك فردي وجماعي تنشأ مع الإنسان وتتطور في كل مرة ففي كل مرة يضيف المثقف إلى نفسه خبرات جديدة للتعامل مع نفسه والناس.
لا أحد يستطيع القول من أن المثقف شخصية عادية وطبيعية في وقتٍ واحد ولا أحد يستطيع القول من أن الشخصية المثقفة أفضل من الشخصية العادية غير المثقفة ففي الوقت الذي ندعي فيه كمثقفين أننا صفوة المجتمع وأن مستويات تفكيرنا تختلفُ في الرؤيا والأبعاد والمنهج عن رؤيا وأفكار الشخصية العادية غير المثقفة بالرغم من كل تلك الامتيازات فإن الشخصية العادية غير المثقفة تعيش على الأغلب حياة هانئة وهادئة أكثر من الشخصية المثقفة غير العادية وليس هذا وحسب بل على الأغلب تتخذنا الشخصية العادية غير المثقفة حديثاً للتسلية وللسخرية في سهراتها للمرح والتسلية الساخرة.
ولا أحد يستطيع القول عن الشخصية العادية أنها طبيعية كل الأوقات , فالشخصية العادية والطبيعية أحياناً تصبح غير عادية وهذا لا يعني أنها مثقفة , بعكس الشخصية العادية التي تبدو أحياناً أنها طبيعية ولديها الرغبة بأن تمارس حياة طبيعية وعادية وعلى الأغلب تفشل في تمثيل هذا الدور فتعود للجوء إلى العزلة .
لا أحد يستطيع القراءة الطويلة لساعات طويلة ومتعبة ومرهقة إلا الشخصية المنعزلة والشخص المنعزل عن ال
فا ناس والمجتمع هو في الحقيقة كائنٌ غير اجتماعي أي أنه فاشلٌ في الانخراط في المجتمع والناس .لشخصية الاجتماعية وغير الانطوائية مشغولة بما لديها متةتةن مظاهر عامة كالجلوس مع الأصدقاء وتناول وجبات طعام عادية والذهاب للعمل بشكل يومي ومعتاد, أما الشخصية المثقفة فإنها لا تتمتع بالجلوس مع الأصدقاء والخروج معهم لذلك هي تميل إلى الكتب لمعرفة أصدقاء خياليين وهميين وأحياناً حقيقيين فتقرأ عنهم وتقرأ لهم إبداعاتهم, أي أن الشخصية المثقفة شخصية خيالية وليست واقعية موهومة بأنها تفعلُ ما لا يستطيع الإنسان العادي فعله , غير أن الشخصية العادية غير المثقفة لا تميل إلى التخيل والخيال بل هي واقعية تؤمن بالواقع لوحده ولا تؤمن بفانتازيا الخيال.
فغالبية المثقفين الذين يقرؤون كثيراً هم في الأصل غير اجتماعيين ويعانون على الأغلب من نقص عام في الشخصية فيحاولون تعويض عقدة النقص العامة بالارتماء فوق الكتب.
المثقف كائن اجتماعي سوبر وغير وضيع ولكن إذا ما قيس حجمه بحجم الإنسان الطبيعي نجد أن الإنسان العادي يتفوقُ على المثقف في كثيرٍ من المظاهر الاجتماعية العادية ويحصل الإنسان العادي الطبيعي غير المثقف على كثيرٍ من الحاجيات التي تفتقرُ إليها الشخصية المثقفة ومن غالباً ما تكون تلك الحاجيات الحب والاستقرار الأسري.
وغالباً ما تخالف الشخصية المثقفة نفسها وتحمل سلوكيات تختلفُ عن طبيعة ثقافتها ومنهجها فمن الممكن أن نجد شخصية مثقفة يسارية شيوعية وبنفس الوقت لديها مصنع أو شركة كبيرة تحتكر التجارة والبيع وتتعامل بقسوة مع العمال والمستخدمين الذين عندها على الأغلب .
وهنالك شخصيات مثقفة عالة على المجتمع والناس وتتسببُ لحكوماتها في كثير من المشاكل وتكون أحياناً متناقضة مع ما تنادي فيه من مذاهب .
وأحياناً نجدُ في المجتمع شخصيات غير مثقفة يكون سلوكها على الأغلب أكثر رقياً من سلوك الشخصية المثقفة وأكثر رقياً ولكن على الأغلب أناقة المثقفين أجدر تظهر على الشخصية المثقفة بصورة أجمل مما تظهر عليه الأناقة نفسها على الشخصية العادية.
والشخصية المثقفة تشترك مع الشخصية العادية في التأثر بما يجري حولها من أحداث وهذا ليس دائماً بل غالباً ولكن الفرق بين الشخصية المثقفة وغير المثقفة في هذه الناحية هو أن الشخصية المثقفة تتأثر بما يجري من حولها وتؤثر بالأحداث وبالناس وبالمجتمع ونادراً مات يشهد التاريخ ولادة شخصية مثقفة تكون سبباً في ظهور جيل جديد يحمل مذهباً فكرياً جديداً.
ولولا ازدياد مظاهر النقص العامة والعاطفية لَما انفرد المثقف بالكتاب وبالكتابة .
وتمتازُ الشخصية المثقفة عن الشخصية العادية بأن الشخصية المثقفة تستطيع أن تخرج لنا من داخل أعماقها التحف الإنسانية العاطفية والرومنسية فنستمتع بمظاهر الذوق العام والرفيع من خلال قراءتنا للإنتاج الإبداعي الصادر عن الشخصية المثقفة .
والشخصية المثقفة عاطفية جداً بزيادة ملحوظة عن الشخصية العادية غير المثقفة وغير المبدعة , وتتأثر بما يجري من حولها من أحداث بسرعة كبيرة وأحياناً إذا لم تظهر الشخصية المثقفة تأثرها بالأحداث فإنها تحتفظ في ذاكرتها صوراً وتعابير لمدة زمنية لتثور في أي لحظة مثل البركان , من هنا فإن الشخصية المثقفة المبدعة أحياناً تكون بركانية تنفجر فجأة لتسبب كثيراً من المشاكل السياسية والاجتماعية تماماً كما يسبب البركان مشاكل بيئية .
من الممكن أن تكون حساسية الشخصية العادية مرتفعة جداً في بعض الأحيان أكثر من الشخصية المثقفة ولكن قدرة الشخصية المثقفة على التعبير بالكتابة أو بالخطوط أو بالألوان تكون غالباً أكثر من الشخصية العادية وربما أن الفارق بين الشخصية المبدعة والعادية هو في تلك الكلمات التي تستطيع الشخصية المثقفة اختراعها وخلقها وصناعتها .
ومظهر الشخصية المثقفة لا يبدو عادياً فهو دائما ما يبدو سارح العقل والبال ومظهره الخارجي يدلُ على مظهره الداخلي حيث تهمل الشخصية المثقفة الاعتناء بمظهرها الخارجي .
وغالباً ما تكون الشخصية المثقفة غير محظوظة وغير مقبولة في المجتمع الذي تعيش فيه ,ولم يلاحظ أحد أن تلك الصفات من العزلة والانفرادية هي صفات تنطبق على المجرمين والقتلة والجواسيس ,من هنا تأت أهمية وخطورة الشخصية المثقفة , فهنالك جرائم ثقافية أيضاً يتخذها المثقفون عادة , وهي جرائم لا تختلفُ عن جرائم قتل الجسد التي يرتكبها المجرمون ,والشخصية الإجرامية المحكومة بالسجن لمدة طويلة تكون فاقدة الأمل في المستقبل والتطلع إليه لذلك فهي تعيش عاطفياً على ذكريات من الماضي الذي من الصعب نسيانه , وكذلك الشخصية المثقفة المبدعة فهي تعتمد في إنتاجها على ما تختزله في ذاكرتها من تراكمات ذاتية ونفسية , وأحياناً تكون أقلام الكُتاب مأجورة ومدفوعة الأجر وهذا الموضوع لا يختلف عن موضوع أـسلحة أو سلاح القاتل , فإذا كان سلاح القاتل مأجور فإن سلاح الكاتب المثقف يكون أحياناً مأجوراً ومدفوع الثمن .
والمجرمون تعزلهم المنظمات والهيئات الثقافية عنها وكذلك المثقفون معزولون تعزلهم أجهزة البيروقراط وخصوصاً البيروقراط الفاسد , فالنظرة للمثقف مثلها مثل النظرة للمجرم , وفي كثير من الأحيان تحاول بعض الحكومات خلق أو إثبات صفة الإجرام الجنائي على الشخصية المثقفة بدفعه دفعاً لارتكاب جرائم شرف أخلاقية ومالية .
ولا تبدو صفات الشخصية المثقفة بأنها عادية بل هي على الأعم غير عادية وغير متطابقة مع روح العصر الذي تعيش فيه , فهي إما أنها استشراقية مستقبلية تتطلع للمستقبل وتعيش فيه قبل شروق شمسه وإما أنها تعيش في الماضي مع الشمس التي غابت منذ قرون , وسواء أكانت كذا أوكذا فإنها حتماً غير عادية.